مواقف من ذهب .. فى قضايا شباب الوعي
تلك
الصورة الجميلة ألتي رسمناها لصنّاع القرار في الأجهزة الأمنية
والأجهزة القضائية ليست الا أحلام من نسج الخيال لا تلبث حتى تتمزق
وتتلاشى. في المرحلة الجديدة من عالم "اللا معقول"، يتم إقرار ضرورة تغليف
العقول تم تخزينها وإحكام الإغلاق عليها (عقول الشباب) وأحلامهم،
وتطلعاتهم، وإبداعاتهم، وتعبيرهم عن آرائهم. فقد رأت تلك الاجهزة
الفسفوريّة أن القمع هو أفضل وسيلة لحل كل مشاكل الشباب، وهذه الرؤية
انبثقت بعد تكتيك عميق من قبل صُنّاع القرار..
ربما
نحن لا نعلم إلا القليل منها عموماً، فالمواقف تجر بعضها والقصص تأتي
عبر الأحداث التي يكتشف منها الإنسان أنه يعيش فى سلسة من الغموض لا
تنتهي.
من تلك الاحداث؛
وأنا رهن الاعتقال فاجئني المحقق "ابو فلان" فى جهاز الأمن انه لا يوجد
فى العالم شي يطلق عليه "النقد البناء" ... وقال ان كل نقد هو "نقد
هدّام" وانه لا يؤمن بوجود "نقد بناء". في الحقيقة أنا أحترم رأيه وأشكره
كثيراً على هذه المعلومة القيّمة التي أتحفني بها، رغم أنني فى البداية
كنت مندهشاً من العقلية التي تحاورني، اقصد تحقق معي، لكنني تسائلت هل
فعلاً لا يوجد فى العالم شي اسمه "نقد بناء "؟
فى
الواقع كنت غاضباً جداً على كل من ساهم في ترسيخ هذه الفكرة الخاطئة في
عقلي .. وجعلني أؤمن بهذا المبدأ. اذاً حسب الأمن؛ لا يوجد ابداً نقد
بنّاء كله نقد هدّام !
تمنيت أن لا تكون هذه الفكرة العبقرية فى عقول جميع المحققين فى جهاز الأمن أو غيرها من أجهزة الدولة، فعلاً مصيبة !!
وتستمر المواقف الذهبية ..
أخذني
جهاز الأمن إلى القاضي ليمدد ليَ الحبس، بعد أن أكملت شهرين كاملين
منهما 31 يوم فى سجن جهاز الأمن الإنفرادي (ما يسمى بالسجن الأسود) وشهر
فى سمائل، كنت أطلب منه إخراجي بكفالة وكنت أقول له أني بريء من التهم
المنسوبه لي، وهو يقلب فى ملفي الذي بين يديه عن أي دليل ضدي، أو أي
عبارة تكون بحجم التهم لكنه عبثاً يجد شيء، ثم قال لي تلك العبارة
التي غيّرت العالم، وجعلتني أشعر بأني لن أخرج من مخالب جهاز الأمن
والإدعاء العام؛ "لماذا أنت بالذات إختارك جهاز الأمن من المليونين والنصف
عماني" ؟
شي عجيب !!
إذا
كان القاضي الذي يُفترض أن يكون "محايداً" ويستمع لي قبل أن يحكم عليّ،
يقول لى هذه الجملة، فى أول لقاء لنا، ويسألني نفس السؤال الذي يسألُني
إيّاه جهاز الأمن والإدعاء العام، فلماذا نذهب إلى المحكمة إذاً لنتقاضى؟
إذا كان القاضي يعتبر ان اي شخص يقوم جهاز الأمن او الإدعاء العام
بالقبض عليه حتماً مذنب، فما فائدة المحكمه اذاً ؟!! أليس هذ اهدار
حقيقي للوقت والمال ؟ الحقيقة أنني أشكر فضيلة القاضي على المعلومة
القيّمه، والقاعدة الرائعة التي أهداني إيّاها وعلمني ما لم أكن أعلم،
"المتهم حتماً مذنب وتثبت عليه التهمة مادام أن جهاز الأمن هو من وجّه إليه
التهمه واعتقله " ... وتستمر المواقف الذهبيّة .... التي نكتسب منها
المعرفة، والثقافة، ونرتوي منها كأس النماء والتعمير والوطنية...
هنا
أقف معلناً إنسحابي وانسلاخي من هذا السؤال الذي أردى بي إلى تهمة "إهانة
هيبة الدولة" ألا وهو السؤال الخطير غير العقلاني "لماذا نبيع الغاز ب 2
دولار رغم أن سعره فى الأسواق العالمية ب 10 دولار" لا اعلم هل فعلا هيبة
الدولة تهتز وتهان وتتزعزع بمثل هذا السؤال او هذه العبارة ؟ كنت أظن
أنني الوحيد الذي قال هذا الكلام، لكنني اندهشت عندما سمعت مجلس الشورى
يناقش هذا الموضوع. لقد خفت أن يصبح أعضاء مجلس الشورى بين مخالب
جهاز الأمن بسبب هذه العبارة ، ثم تذكرت ان أعضاء مجلس الشورى يتمتعون
بحصانه تحميهم، لكن الغريب أنّه لم تهتز هيبة الدولة !!!
موقف ذهبي آخر .. تم نطق الحكم مع الغرامة المالية 1000 ريال، والكفالة 1500 ريال . لا يهم ما
هي الحالة الماديّة التي يمر بها المواطن أقصد المعتقل لأكثر من
ثلاثة أشهر؟ او طالب فى الجامعة ؟ كيف يستطيع ان يوفر مثل هذا
المبلغ ؟ أضف الى ذلك مصاريف المحاماة، ولا ننسى الذين تم ادانتهم
بقضيتين أي ضعف هذه المبالغ، لا أعلم هل الدولة فعلاً محتاجة الى هذه
المبالغ، من هؤلاء البسطاء؟
وعندما قمنا بالطعن فى الحكم تبادر الى ذهني سؤال حيرني بصراحة! لماذا يصر الإدعاء العام بدفع الغرامة مع الكفالة ؟؟!!
رغم
أن الطعن فى الحكم والغرامة تعتبر شِق من بنود الحكم. ربما الإدعاء
العام له نظرة ثاقبة لا نعلمها فى ذلك .. شكراً لهم لأنهم يعلمونا معنى
الحرص على المواطن والوطن.
وتستمر المواقف الذهبيّة ..
عندما
يأتي جهاز الأمن أقصد "صمام الأمان" مثلما قال لي أحد أفراد
الجهاز أن جهاز الأمن هو صمام "الامام" - حسب تعبيره الحرفي- لهذا
البلد الطيب، لذا فهو في سابقة فريدة ينشر صورنا فى الجرائد والتلفزيون،
ونجده حريص على تمزيق كرامتنا بهذا الشكل، ويمارس أبشع أنواع التشهير
والإهانة لشباب الوعي .. وقد يسألني احد الاذكياء "كيف عرفت أنه جهاز
الامن من قام بهذا التشهير؟" بكل بساطة، الصور التي تم نشرها فى
الجريدة هي صور تم التقاطها لنا فى معتقل جهاز الأمن بذات الملابس، و
التي يرتديها عمال السباكه والنجارة. هناك احتمال ذكي انها تكون فوتو
شوب كل شي جائز. اشكرهم علموني ماهو التشهير.
موقف ذهبي آخر ..
عندما
سُئل ممثل الادعاء العام فى قضية التجمهر فى الجلسة الأخيرة سؤال
عجزت العقول عن استيعابه، او أنه غاب عن الاجهزة الامنية، "تم اعتقال
26 شخص فى التجمهر لماذا قدم الادعاء العام للمحكمة 11 ملف فقط اذا كان
الجرم او التهمة هي التجمهر لماذ لا يعاقب الجميع ؟" يعني هناك انتقاء
أو أن يكون هناك أناس مقصودين. عندها وقف ممثل الادعاء وعيناه مليئتان
بالحزن وقال بكل حياء وتلعثم وعلى مضض: "الباقى تم توقيعهم على تعهد -ما
شاء الله- يعني ناس يعرض عليهم التوقيع على تعهد وناس يزج بهم فى
السجون، ثم الى المحاكم وهم فى نفس القضية وفي نفس المكان ؟؟!! غريبة ...
عجيبة ... سياسة فريدة ...
ثم
اكمل قائلا " نعم فضيلة القاضي لو سائلنا المتهم الاول (طبعاً
السؤال "ذكي جداً ومبهر للغاية ) " لو سألنا المتهم الاول: لو عرضنا
عليك توقّع على تعهّد هل ستوقّع ؟ تصوروا بعد تلك الايام التي قضاها فى
سجن وتعذيب نفسي وبعد ستة أشهر من التردّد على المحاكم والمنع من السفر
يسأله هذا السؤال، وكان الجواب هكذا: هل شققت عن صدري لتعلم ان كنت
سأوقع ام لا ؟ ؟!!
فعلاً هل كانوا يعلمون الغيب أم شقّوا على صدورهم ؟؟؟
أمر محزن ..
إن
الحياة مدرسة بدون معلم نخرج دائما من تجاربها بالأفضل والأحسن، ستتكرر
المواقف الذهبية، وستبقى خالدة فى الذاكرة وقد أثبت التاريخ صدق ما نقول
: "للحرية ثمن"...
بقلم / " أبو المقداد " حسن الرقيشي